برلين
نديم جرجورة
قبل أيام قليلة على انتهاء الدورة الستين لمهرجان برلين السينمائي (برليناله) مساء غد السبت، عُرض فيلمان اثنان متشابهان في اختيارهما موضوعاً واحداً هو الإسلام، بعيداً عن الكليشيهات الغربية المعتادة، والمنطلقة بُعيد الاعتداء الإرهابي الشهير على الولايات المتحدّة في الحادي عشر من أيلول 2001. والفيلمان يتنافسان على الجائزة الأولى (الدب الذهبي) في المسابقة الرسمية، ويتشاركان في همّ إنساني وواقع ثقافي وحياتي، على الرغم من الاختلاف الواضح والشديد بينهما على مستوى المعالجة الدرامية. ذلك أن برهان قوربان، الأفغاني الأصل الألماني الولادة والجنسية، توغّل في أعماق البيئة الإسلامية المقيمة في برلين، باحثاً في التمزّق الحاصل داخلها، في فيلمه الجديد «شهادة». بينما رسمت البوسنية ياسميلا جبانيك، في «على درب الهداية»، عالماً معقّداً ومتداخلاً أقام فيه مسلمون مختلفو الأهواء والأمزجة والسلوك والعيش، بلغة نابضة بتشريح درامي قاس للمصائر التي يعاني الناس تداعياتها واختباراتها
ليس الإسلام كدين موضع تحليل أو مساءلة في هذين الفيلمين، بل الحياة العامة لمسلمين وجدوا أنفسهم في بؤرة الصراع الذاتي بين وقائع يومية وتبدّلات ثقافية واجتماعية فرضت على الجميع خيارات مختلفة. لم يذهب المخرجان إلى حدود الإدانة المباشرة أو الاتهام المسبق، لأنهما اعتمدا أسلوباً واقعياً في معاينة المسار المفروض على أناس، يتنازعون بينهم وبين أنفسهم أولاً، وبينهم وبين البعض ثانياً. لكن معاينة المسارات أفضت إلى قراءة حسّية وميدانية لشرائح من «المجتمعات» الإسلامية الغربية، في زمن التحوّل الكبير الذي ضرب العالم برمّته مطلع القرن الواحد والعشرين هذا. وإذا بدا الفيلمان متقاربين في تبيان معالم التحوّل الخاصّ بالمجتمعات تلك، فإنهما ارتكزا على حكايات أفراد يعانون ويتألمون ويواجهون ويستسلمون ويتصارعون ويتواجهون، من دون التغاضي عن أنهم يواجهون شياطينهم الداخلية أيضاً، على الرغم من أن بعضهم ملتزم إيماناً وممارسة دينية صارمة وثابتة، وبعضهم الثاني منفضّ عن هذا الالتزام ومنسجم مع خياره باعتماد نمط آخر من العيش، وبعضهم الثالث مرتبك في علاقاته الملتبسة مع الذات والآخر والأفكار والأنماط المستخدمة في يومياته المثقلة بالأسئلة المتشابكة، والمتعلّقة بالهوية والدين والانتماء الاجتماعي والمناخ الثقافي والمشاعر.
ليس الإسلام كدين موضع تحليل أو مساءلة في هذين الفيلمين، بل الحياة العامة لمسلمين وجدوا أنفسهم في بؤرة الصراع الذاتي بين وقائع يومية وتبدّلات ثقافية واجتماعية فرضت على الجميع خيارات مختلفة. لم يذهب المخرجان إلى حدود الإدانة المباشرة أو الاتهام المسبق، لأنهما اعتمدا أسلوباً واقعياً في معاينة المسار المفروض على أناس، يتنازعون بينهم وبين أنفسهم أولاً، وبينهم وبين البعض ثانياً. لكن معاينة المسارات أفضت إلى قراءة حسّية وميدانية لشرائح من «المجتمعات» الإسلامية الغربية، في زمن التحوّل الكبير الذي ضرب العالم برمّته مطلع القرن الواحد والعشرين هذا. وإذا بدا الفيلمان متقاربين في تبيان معالم التحوّل الخاصّ بالمجتمعات تلك، فإنهما ارتكزا على حكايات أفراد يعانون ويتألمون ويواجهون ويستسلمون ويتصارعون ويتواجهون، من دون التغاضي عن أنهم يواجهون شياطينهم الداخلية أيضاً، على الرغم من أن بعضهم ملتزم إيماناً وممارسة دينية صارمة وثابتة، وبعضهم الثاني منفضّ عن هذا الالتزام ومنسجم مع خياره باعتماد نمط آخر من العيش، وبعضهم الثالث مرتبك في علاقاته الملتبسة مع الذات والآخر والأفكار والأنماط المستخدمة في يومياته المثقلة بالأسئلة المتشابكة، والمتعلّقة بالهوية والدين والانتماء الاجتماعي والمناخ الثقافي والمشاعر.
إلى ذلك، يُمكن القول إن «شهادة» و«على درب الهداية» اختزلا المسألة كلّها بالقول إن المسلمين ليسوا جميعهم إرهابيين، وإن لديهم مشاكلهم الداخلية كأناس عاديين، وإنهم مقبلون على الحياة وسط انكسارات وخيبات جمّة، تحاصرهم في مغترباتهم ومنافيهم الغربية (شهادة)، أو في بلدانهم المفتوحة على حروب طائفية ونزاعات جغرافية وإثنية لا تنتهي (على درب الهداية)
فيلمان جميلان، شكلاً ومضموناً، واقعيان وحادّان في سرد جوانب حقيقية من الحياة اليومية، لأناس مشحونين بالخيبات والقسوة والانقلابات المدمِّرة
No comments:
Post a Comment