«السيد المسيح» ضحية «العيش المشترك»
جريدة الأخبار
باسم الحكيم
بلد الحريّة يُخفق في امتحان الحريّة، وهو البلد ذاته الذي لا يعرف كيف يحمي صحافييه. بالأمس، ضربت المراجع الدينيّة من جديد، مصوّبة سهامها على مسلسل بعنوان «السيّد المسيح» تعرضه قناتا «المنار» وnbn، بحجة أنه يتضمن «مغالطات»... بقيّة السيناريو معروفة، لأننا شهدناها مئات المرّات منذ الاستقلال العتيد. خاتمة على الطريقة اللبنانيّة: تجنباً لـ«الفتنة الطائفيّة»، أو تسيّس الموضوع، أعلنت المحطتان أمس وقف عرض المسلسل خلال رمضان «مراعاة لبعض الخصوصيّات، وللحؤول دون أي محاولة للتوظيف السلبي»، مستبقتين طلباً من الأمن العام بذلك.
لكن قبل الخاتمة، كان لا بدّ من مشاهد توتّر وتشويق (مستهلكة هي الأخرى)، إذ كرّت سبحة المزايدات السياسيّة ومحاولات الاحتواء الفئويّة والطائفيّة. بل بلغت الأمور «الذروة»، مع التهديد بتظاهرات في المناطق اللبنانيّة. وكان لا بدّ لفكّ فتيل الأزمة من أن تتدخّل الآلهة الإغريقيّة التي هبطت من السماء. فقد بادر وزير الإعلام طارق متري شخصياً لحلّ المعضلة، «حرصاً على عدم الإساءة إلى الإيمان المسيحي»... وتبنى كلاماً للمطران بشارة الراعي بأن «لكل مؤمن الحق في أن يفسر إيمانه بنفسه، وأنّ على الآخر أن يحترم تفسير إيمانه وعقيدته. وعادة، نحاول مسيحيين ومسلمين، ألا يتحدث أحدنا عن دين الآخر بطريقة لا يجد فيها الآخر إيمانه وتاريخه وعقيدته». هكذا صار بلد الحريات «حالة خاصة»، «لأن العمل (عن عيسى الناصري) أعده مسلمون». وهي مسألة دقيقة في بلد الحوار واللقاء الإسلامي ـــــ المسيحي، ولبنان بجناحيه وغير ذلك من أدبيات فولكلوريّة كاذبة.
«محاكم التفتيش» أطلقها المركز الكاثوليكي للإعلام، عندما طلب الحصول على نسخة من المسلسل لمراجعتها، ولو اقتضى ذلك تأجيل بثّه «خوفاً من تضّمنه ما يسيء إلى المسيح». ويشدّد مدير المركز الأب عبدو أبو كسم على نقل كلامه بحرفيته، إذ يقول: «اتصلنا بالمدير العام لمحطة nbn قاسم سويد للحصول على نسخة من العمل، وأجرينا اتصالاً مشابهاً بمسؤول العلاقات العامة في «المنار» إبراهيم فرحات، لأن القناتين أعلنتا عرض المسلسل. وكان الجواب أنهما لا تملكان سوى الحلقات الأولى منه، لكنهما رأتا أنه يدعو إلى التقارب بين المسلمين والمسيحيين، ويهدف إلى تعزيز العيش المشترك».
ويضيف أبو كسم: «لو كان مرجع العمل هو القرآن الكريم وحده، لما كان عندنا مشكلة، لكنّ اعتماده على إنجيل برنابا المحرّف الذي لا تعترف به الكنيسة هو المشكلة، إذ ينكر ألوهية المسيح ويتضمن تحريفاً للأحداث الحقيقيّة». ويثني أبو كسم على وقف بث المسلسل على «المنار» وnbn، وإن كان عرضه مستمراً على فضائيات أخرى (!): «المهم ألا يعرض في لبنان، لأننا نعيش في بلد متعدد الطوائف».
وكشف رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بشارة الراعي في مؤتمر صحافي عقد ظهر أمس عن تضمن المسلسل تحريفاً في المعتقد المسيحي. وذهب الراعي أبعد بالقول إن «العمل يقوّض كل أسس الدين ومعناه ويخلق فتنة». وشكر مدير إذاعة «صوت المحبة» الأب فادي تابت المحطتين على مبادرتهما الطوعيّة، قائلاً: «أرجو ألا يفهم أن هناك رابحاً وخاسراً، لأن لبنان هو الرابح».
وإذا كان سلوك المؤسسة الدينيّة له ما يبرّره، فإن المفاجأة الكبرى في هذا السيناريو التراجي ـــــ كوميدي، جاءت من... البرلمان اللبناني. الذين يراهنون على «انفتاح الوجوه الشابة»، فيه سيخيب ظنّهم وهم يستمعون إلى نديم الجميل ينثر جواهره المعهودة: «لسنا في إيران لعرض مسلسل «السيد المسيح». وفي حال أخذِ رخصة من طهران، فهو بحاجة إلى رخصة من الأمن العام اللبناني، وهو ليس من ضمن المقاومة أو سياسة حزب الله».
يضيء المسلسل (إنتاج إيراني) على «شخصيّة النبي عيسى ابن مريم وعلى رسالته الإلهيّة ويعكس مسيرة حياته وآلامه وتضحياته ولدوره وصورته». وهو مأخوذ من فيلم للمخرج نادر طالب زاده قبل عامين، وعرض ضمن مهرجان السينما الإيرانيّة في قاعة «رسالات» في بيروت، ويقوم على تقديم وجهتي نظر مختلفتين لحياة المسيح، وصولاً إلى صلبه من وجهة النظر الأولى وإلى صلب يهوذا في وجهة النظر الثانية. وقدّم المخرج فيلمه «رداً إسلامياً على فيلم Passion Of The Christ لميل غيبسون». وقال: «نريد من خلاله إقامة جسر بين المسلمين والمسيحيين، لفتح حوار يوجد أرضيّة مشتركة بين الديانتين السماويتين»، مضيفاً أن «ليس عيسى الذي صلب، بل يهوذا الذي خان المسيح وأراد تسليمه للرومان ليقتلوه».
توقف المسلسل في لبنان، لكن المشاهدين يمكنهم متابعة الحلقات الباقيّة على أكثر من فضائية منها: قناة «ساحل» التي يملكها المنتج عبد الرزاق الموسوي، وقناة «نسمة».
No comments:
Post a Comment